"وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا"
قال الله تعالى : " إِنَّ اللَّهَ
عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي
الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا
تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ " لقمان:34
الأيمان بالغيب له اثر كبير على
الناس, حيث يزكيهم، ويربطهم بحبل الله المتين ؛ ليستعلوا على كل ما دون أمر الله
من قليل وكثير، فيلجئون إلى ربهم بالذكر والاستغفار والطلب والرجاء من مالك الملك,
مدبر الأمر، ذو الجلال والإكرام، فيعشون أعزاء ويموتون سعداء بلقاء الله،
وغيرهم يعبدون البشر مثلهم، وان صاموا وصلوا و أدوا العبادات؛ لأنهم لم يقنوا
بالله ويحسنوا الظن به.
لو تأملنا الآية الكريمة واخص
منها " وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا " لوجدنا به
دلالة عظيمه، ويقين، يسعد كل من يصل إلى قلبه . بان الله هو ملك المستقبل بخيرة وشره،
وهو مالك الملك، وان الأرض والسموات من مخلوقاته، وتيسر بأمره، وان المستقبل بيد
الله لا بيد غيره.
الناس يشغلهم الكسب والتفكير بالمستقبل
،وكيف سيعيشون حياتهم؛ فتجدهم دائما يحاولون التعرف على ملامح المستقبل ويحاولون
ترتيب أوراقهم, وإعادة صياغة أحلامهم, والتخطيط لها, لدرجة أن بعضهم يتأثر ويقلق
راحته؛ فيفقد لذة العيش في يومه ، وهو يفكر في مستقبله ، فتجده يكتب المعادلات
الموزونة و يرسم خريطة المصالح المشتركة، يتنبأ ويفسر ويتوقع ويجهد نفسه .....
فلو أمنا أن المستقبل بيد الله "وان
الحظوظ في الدنيا موزعة على أساس الابتلاء وان الحظوظ في الأخيرة موزعة على أساس
الجزاء". وان الرزق والسعادة والشقاء بيد الله ودورنا أن نعيش لحظتنا في رضا
الله، ونترك المستقبل لله يدبره بعلمه؛ لأرحنا أنفسنا من الكثير من الأعباء
واستفدنا من الطاقة المودعة فينا في العمل والجد وترك التمني وأحلام العاجزين.
كثرة التأمل في المستقبل والتفكير فيه
يوقع الإنسان في كثير من الأخطاء والمتاعب، سواء على مستوى التفكير أو على مستوى
العمل؛ فتجده يربط الأمور مرة بالأشخاص ومرة بالحركات و الأحزاب ومرة بالدول
والتقاطعات ، ومرة بالمال و بالمؤسسات والزعماء ...
فتجده يعبد هؤلاء من دون الله ويسعى في
إرضائهم سعي العبد الناسك، إذا طلبت منه كلمة حق يتردد ويحسب ألف حساب وإذا دعي
للشهادة أصابه الخرس وإذا رأى المنكر برره بكل الحيل وإذا رأى المعروف أنكره بكل
الحجج، لان هذا سوف يؤثر على مصالحه في المستقبل؛ فتجده يجهد نفسه ويمتهن كرامته
من اجل أن يرضي عبدا مثله، ساقه جهله لعبادته من دون الله، ولو انه بذل هذا الجهد
وهذه الطاعة وهذا الانكفاء و التذلل على أعتاب الله لعاش راضيا في الدنيا سعيدا في
الآخرة.
إن ضعف الإيمان بالله والاعتماد على
الأسباب وترك رب الأسباب. خلق جيش من المتسولين على أعتاب أسيادهم يحاولون إرضائهم
ولو بسخط الله وظلم الناس أكل حقوقهم ظلما وزورا، ظانين بجهلهم أنهم يؤمنون
مستقبلهم بإرضاء عبيد مثلهم لا يعلمون ما يكون في الغد من خير أو شر.
إذا أيقنا أن الغد بيد الله لا
يعلمه إلا هو. فالخير و الشر والصحة والرزق الجاه والسلطان وكل ما يتعلق
بالغد بيد الله ، فلماذا نربط مصيرنا بغير الله فنعيش الدنيا عبيد أذلاء على أعتاب
البشر ونخسر الآخرة ورضوان الله.
أ.عمار أبو زنيد
أبو حذيفة
28/12/2013