الأربعاء، 20 مارس 2013

الوداع والاستقبال ام نضال فرحات


الوداع والاستقبال
أم نضال فرحات  وابنها محمد

عظيمة الأم الفلسطينية وهي تحمل أبنائها بين أحشائها وترضعهم عصارة دمها عامين وزيادة، ثم تربيهم وتسهر الليالي بجانب أسرتهم تهزها هزا خفيفا؛ لتوفر له الراحة والأمان.

  وبعد أن تبدأ معالم الرجولة تعلو وجوههم ،ويشتد عودهم . ترسم الأم على جبينهم حب الله وحب الوطن، و تحفر في مقلتهم أسماء القرى المهجّرة ،و المساجد المهدّمة ،الدّماء المسفوكة والأسود المأسورة.

أم نضال صاحبت السبق في الجهاد ومقاومة الاحتلال. من بدايات الانتفاضة الأولى وهي تفتح باب بيّتها للمطاردين ؛ليكون لهم سكنا وتُكثِر الطعام وتفسح المكان وتراقب المداخل ؛ خشية أن تراهم عيون المندسين أو تصل لهم يد الحاقدين؛ فبيتها لم يكن لأسرتها بل كان بيت لكل الشرفاء اللذين حملوا  أرواحهم على أكفهم  فأوى بيتها الكثير   واكل طعامها الكثير و بات في بيتها الكثير والتقى في بيتها العظماء أمثال الشهيد البطل عماد عقل وإخوانه.

فإذا   النهر لا يستطيع حبس مائه ولا الشمس تخفى نورها، ولا الأرض تستر وجهها ولا نجوم السماء يضمحل لمعانها ، بل تبقى على حالها ، تدافع عن وجودها رغم كل المعيقات وكذلك أم نضال لم تكتفي باستضافة المقاومين لتحميهم من عيون الاحتلال بل كان في صميم خلدها أن يَتَربى أبنائها على مقربةٍ من همةِ الرجال .
لينبت في  أرواحهم حب الله وحب الوطن ،فكان لها ذلك فكَبُر نضال والتحق بالمقامة ثم استشهد وكَبُر  رواد واستشهد وكَبُر البطل محمد هو من كان طفلا أيام ما كان بيت أمه يأوي الرجال .

فكبُرَ محمد وكَبُر معه طموحة في الشهادة في سبيل الله حتى بلغ سن الرشد، فنطلق مسرعاً نحو الشهادة ،يبحث عنها في كل مكان وبعد أن هُديَ الطرق .
كان لابد من الوداع   وطلب السماح، وإلقاء النظرة الأخيرة ،و سماع الوصية، ليحمل على كتفيه رضا الوالدين ويطلب من الله رضاه، و كان بينهم حورا تعجز الكلمات أن تعبّر عنه ،فهذا الابن الثالث الذي لم يبلغ من العمر إلا 17 عام، يطلب الوداع الأخير وكيف للأم أن تقبل وداع الثالث والرابع في المعتقل .

  تتخيل حالهم ، وتفكّر في أي عزيمة يحملون، وبأي قناعات يفكرون  ،وأي  أولويات يرتبون، وأي حياة يعيشون ، كيف للأم أن تودع وكيف لابن أن  يطلب الوداع !! آلا يكفي من سبقوا ،آلا يحتاج البيت إلى من يقرع بابه  و الشقيقات من يزورهن ....   لكن هذا تفكير من ارتبطت أرواحهم بالطين ولم يعرف حقيقة الحياة ومنتهاها، وان الحياة واللقاء يكون في ظل عرش الرحمن على حوض الكوثر في جنةٍ سقفها عرش الرحمن.

وألان حق لكم يا نضال و يا رواد و يا محمد أن تقفوا صفا في جنات الخلد، انتم وإخوانكم الشهداء ؛ لترحبوا بأم الشهداء خنساء فلسطين ولتشتبك الأيادي وتتعانق الأجساد وتقبّلوا يد أمكم وتحضنوا صدرها ،وتلتفوا حولها ،و تمسحوا دمعتها وتشفوا جرحها وتنعموا بلقائها   .
وترددوا معا   لقد وجدنا ما وعدنا ربا حقا
أ.عمار أبو زنيد
أبو حذيفة  
17/3/2013



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق