السبت، 23 مارس 2013

سكان الفردوس الشيخ احمد ياسين


سكان الفردوس
الشيخ احمد ياسين
هم العظماء الذين اختارهم الله لحمل رسالة التوحيد وعقيدة الإيمان، يصنعهم على عيّنِه، ويربهم على دينه، ويزكيهم بأخلاق القران؛ ليكون منارات في ظلام الجاهلية، ينيرون طرق الخير والوحدة والمحبة بين أبناء شعبهم، و يكونوا نموذج للتضحية والفداء، ليرتفع شئن الأمة بهم. 
 ولد شيخ المجاهدين  في قرية الجور في الجزء المحتل من فلسطين عام 48  ليعيش حياة اللجوء والتشرد كباقي أبناء الشعب ، بما تحمله كلمة اللجوء من معاناة وظلم  و مأساة . لبيداء حياته لاجئ في مخيمات الصمود والعودة في قطاع غزة .
هذا الإنسان  المعجزة الذي غيّر قواعد المستحيل ،وكسر نظريات العجز ، وألغى أفكار الجبن والاستسلام، وأعلن التمرد على الظلم، والرِضا بالواقع، والذلة وقلت الحيلة والمهانة والانكسار ؛ ليرفع لواء التوحيد أمام عواصف  الاحتلال، و خرافات الجبناء ،ويبدأ مشواره في حمل الأمانة  يسير بكل خطا واثقة بنصر الله ، وإقدام ويقيّن أن صاحب الحق قوي بحقه ،والباطل ضعيف بظلمه ،مهما كانت قدرات الباطل المادية ومهما علا وبطش وتجبر.
لما كان حال الأمة المرير في ثمانيات القرن الماضي، وما أصابها من وَهن و إتباع الشهوات والانشغال بالحياة الخاصة ... ، فإذا به يشعل ثورة غيّرت قواعد المعركة ورفعت من شئن الأمة ، من أنساس يبحثون عن حياة إلى أصحاب قضية عادلة ،ومن الاهتمام بالذات إلى التفكر في قضية الأمة المركزية ؛ لبيداء مشوار المقاومة والجهاد معلنا عن ميلاد المشروع الإسلامي في ارض الإسراء والمعراج .
وكانت البداية في منزله البسيط .حيث انطلقت مسيرة الخير والتضحية تنشر أفكارها في ربوع الوطن مع إشراقة كل صباح، و مع غروب كل يوم، ومع حبات المطر ،ونسمات الرياح ؛ليصل نورها إلى كل بيت ويتنفس عطرها الرجال، وتلامس مشاعر الملايين من المسلمين .
فكانت فلسطين وشعبها مدار اهتمامه  يذّكره قولا، و ينحتها  صورة ، ويحملها همّاً ، و يتنقل حيث أتيحت له الفرصة، يبني المؤسسات ،ويداوي الجراح ،ويرفع المعنويات، و يشد الأزر، ويروّح عن النفوس المكلومة ، ويقوي العلاقات، و ينسج خيوط الأمل، والمحبة بين الشعب الواحد.
  كيف به وقد أصابته الإعاقة مبكرا و تفقّدته الأمراض وأصابه من الآلام ما أصابه ، رغم كل هذا وذاك،  بقيّه يحرك مسيرة الخير بكرسيه المتحرك ،ويهز كيان المحتل رغم شلل قدمه ،ويطلق رصاصة العودة والاستقلال رغم شلل يمينه ، وينير الطريق الحق رغم فقد البصر، و يصدع بالتوحد رغم ضعف السمع .
كيف لا تكون الشهادة نهاية من داوم على صلاة الفجر في جماعة ، ورفع شعار التوحيد ، و إطلاق مسيرة الخير و إشعال شعلة الاستقلال، وأنار طريق العودة للقدس ويافا. 
رحمك الله شيخ فلسطين وإمام المجاهدين وأسكنك الفردوس الأعلى مع النبيين والشهداء والصالحين وحسن   رفيقا.

أ‌. عمار أبو زنيد

أبو  حذيفة

22/3/2013

الخميس، 21 مارس 2013

خريطة الوطن


خريطة الوطن
وطني لو شغلت بالخلد عنه .. نازعتني إليه بالخلد نفسي
أ.حمد شوقي

 فلسطين صاحبة القدسية المكتوبة منذ الأزل في اللوح المحفوظ ،نطق بها القران الكريم في الكثير من آياته ، ووهبها  البركة في بداية سورة الإسراء  لتشمل من حولها، و جعلها أية ترى على مر السنين ، فهي مُباركه وحدود بركتها رسمها العلي القدير ، قبل  سياسة التعامل مع الوقع ومداراته، وسياسة العالم يقف على رِجلٍ واحدة ،وسياسة على الضعيف دفع الثمن، وسياسة خذ وطالب .... 

الأرض التي عاش على ترابها اليابوسييّن و الكنعانيين ... قبل الميلاد , وصعد من على صخرتها سيد ولد ادم إلى السماء العلى ، معلناً فتحها روحيا  وربطها عقائدياً بالبيت الحرام ،و فتحها ابن الخطاب بثوبه المرقع , واستشهد على ثراها  خيرة   الصحابة  ، وأتاها الفاتحين على مر العصور يهللون ويكبرون ليعيدوها إلى حظيرة الإسلام والعروبة .

هذه البلاد يعرف حدودا التاريخ بما حوا من معارك وفُتحات ، يعرف حدودها الأنبياء والصالحين بما حملوا من عقيدة وآيات ، ويعرف حدودها من ولِد في مدنها و قراها، يعرف حدودها من دَفنوا أحبائهم شهداء في مقابرها ،يعرف حدودها من أفنى شبابه بين القضبان ليرها حرة ،يعرف حدوده من تجرع ألم الإصابة و الإعاقة الدائمة ليراها سليمة معافاة, يعرف حدودها من تركها خضراء يانعة قبل أن يستقر به المقام في مخيمات العودة والتحرير.

والطبيعة تعرف حدودها أيضاً، فَمدُ وجزرُ المتوسط  يرسمها غربا ،ونهر الأردن يحضنها  شرقا، ليبقى  الماء شاهدا على مر الزمان بان فلسطين يُحددها الماء من الغرب والشرق  .

وإذا كانت حقيقة حدود فلسطين تزعج بعض الزائرين وتحرج المستقبلين ،و تنغص عيش المجاورين وتقهر المعتدين .فهذا شئنهم، فإذا أردوا غير ذلك ؛فلهم أن يشربوا ماء المتوسط ، وان يهدموا نهر الأردن ،وان يقرؤوا غير سورة الإسراء.
فخارطة فلسطين ليست رسم على حجر  تزيله الجرافات، ولا حروف على ورق تمحوه  الأيادي، ولا شعر تقلب أجراسه، ولا نثر تغّير عبارته ،و لا قلائد تحلي الأعناق، ولا حجارة تبنى بها الجدران، و لا تراب يزرع و ماء يشرب فقط،  بل هي عقيدة ودين، رسم حدودها وبركتها  من خلق السماء فرفعها  وخلق   الأرض فبسطها . 

أ‌.  عمار أبو زنيد
أبو حذيفة
20/3/2013

الأربعاء، 20 مارس 2013

الوداع والاستقبال ام نضال فرحات


الوداع والاستقبال
أم نضال فرحات  وابنها محمد

عظيمة الأم الفلسطينية وهي تحمل أبنائها بين أحشائها وترضعهم عصارة دمها عامين وزيادة، ثم تربيهم وتسهر الليالي بجانب أسرتهم تهزها هزا خفيفا؛ لتوفر له الراحة والأمان.

  وبعد أن تبدأ معالم الرجولة تعلو وجوههم ،ويشتد عودهم . ترسم الأم على جبينهم حب الله وحب الوطن، و تحفر في مقلتهم أسماء القرى المهجّرة ،و المساجد المهدّمة ،الدّماء المسفوكة والأسود المأسورة.

أم نضال صاحبت السبق في الجهاد ومقاومة الاحتلال. من بدايات الانتفاضة الأولى وهي تفتح باب بيّتها للمطاردين ؛ليكون لهم سكنا وتُكثِر الطعام وتفسح المكان وتراقب المداخل ؛ خشية أن تراهم عيون المندسين أو تصل لهم يد الحاقدين؛ فبيتها لم يكن لأسرتها بل كان بيت لكل الشرفاء اللذين حملوا  أرواحهم على أكفهم  فأوى بيتها الكثير   واكل طعامها الكثير و بات في بيتها الكثير والتقى في بيتها العظماء أمثال الشهيد البطل عماد عقل وإخوانه.

فإذا   النهر لا يستطيع حبس مائه ولا الشمس تخفى نورها، ولا الأرض تستر وجهها ولا نجوم السماء يضمحل لمعانها ، بل تبقى على حالها ، تدافع عن وجودها رغم كل المعيقات وكذلك أم نضال لم تكتفي باستضافة المقاومين لتحميهم من عيون الاحتلال بل كان في صميم خلدها أن يَتَربى أبنائها على مقربةٍ من همةِ الرجال .
لينبت في  أرواحهم حب الله وحب الوطن ،فكان لها ذلك فكَبُر نضال والتحق بالمقامة ثم استشهد وكَبُر  رواد واستشهد وكَبُر البطل محمد هو من كان طفلا أيام ما كان بيت أمه يأوي الرجال .

فكبُرَ محمد وكَبُر معه طموحة في الشهادة في سبيل الله حتى بلغ سن الرشد، فنطلق مسرعاً نحو الشهادة ،يبحث عنها في كل مكان وبعد أن هُديَ الطرق .
كان لابد من الوداع   وطلب السماح، وإلقاء النظرة الأخيرة ،و سماع الوصية، ليحمل على كتفيه رضا الوالدين ويطلب من الله رضاه، و كان بينهم حورا تعجز الكلمات أن تعبّر عنه ،فهذا الابن الثالث الذي لم يبلغ من العمر إلا 17 عام، يطلب الوداع الأخير وكيف للأم أن تقبل وداع الثالث والرابع في المعتقل .

  تتخيل حالهم ، وتفكّر في أي عزيمة يحملون، وبأي قناعات يفكرون  ،وأي  أولويات يرتبون، وأي حياة يعيشون ، كيف للأم أن تودع وكيف لابن أن  يطلب الوداع !! آلا يكفي من سبقوا ،آلا يحتاج البيت إلى من يقرع بابه  و الشقيقات من يزورهن ....   لكن هذا تفكير من ارتبطت أرواحهم بالطين ولم يعرف حقيقة الحياة ومنتهاها، وان الحياة واللقاء يكون في ظل عرش الرحمن على حوض الكوثر في جنةٍ سقفها عرش الرحمن.

وألان حق لكم يا نضال و يا رواد و يا محمد أن تقفوا صفا في جنات الخلد، انتم وإخوانكم الشهداء ؛ لترحبوا بأم الشهداء خنساء فلسطين ولتشتبك الأيادي وتتعانق الأجساد وتقبّلوا يد أمكم وتحضنوا صدرها ،وتلتفوا حولها ،و تمسحوا دمعتها وتشفوا جرحها وتنعموا بلقائها   .
وترددوا معا   لقد وجدنا ما وعدنا ربا حقا
أ.عمار أبو زنيد
أبو حذيفة  
17/3/2013



الثلاثاء، 19 مارس 2013

لا يعمَّر فيها ظالم ... الجراد




لا يعمَّر فيها ظالم



الجراد



يأتي الزائر الجديد إلى بيت المقدس وأكناف بيت المقدس ليغزو المنطقة بأعداد قليلة حتى الآن، وتكثر التحليلات والتعليقات على هذه الزائر ،كونه من الظالمين الذين يزورون هذه البلاد فيأكل الأخضر، ويتلف اليانع، ويجرّد الأغصان ، ويغتال الأزهار؛ وكأن بيت المقدس فيها فسحه لظالم جديد.



هم زائرون  فقط ! سواء الجراد أو من اتخذ من الظلم منهجا ، ومن التهجير طريقا ،ومن القتل  نهاية ،ومن السجن حلا ،هم زائلون لا محالة مهما عملوا، وظُلمُِهِم حقوق الناس لاحِق بهم ،والأصل الطيب باقي في هذه الأرض مهما ضعف وقل أعوانه ،وأما الزبد فيذهب جفاء.



الجراد مخلوق من مخلوقات الله يسير بقدره ويحيى ويموت بقدره ،يوجهه إلى أي بلد يشاء، لعل أهلها يتعظوا من نهاية ظلم ، فيكفوا أياديهم عن البطش بأولياء الله ،ويُغلقون أعينهم عن متابعة الصالحين و يصموا أذانهم عن تتبع عورات المؤمنين.



الجراد ظالم! وهذه شيء يقره الجميع ؛لأنه يأكل ما لم يزرع، ويتغذى محاصيل لم تعرفه يوما عاملا فيها، وهو لا يبقي ولا يذر، فأمامه اخضر وخلفه يابس ، هذا ظلم الجراد ،ظلم الفطرة المودعة فيه، فهو يأكل ويُتلف المزروعات عن دون قصد وتدبير ومكر بالليل وسعي بنهار، تُطلق عليه صفة الظلم؛ لتعديّه على حق غيرة وسلب جهدهم وعرقهم ،وحرمانهم ثمرةً ينتظرونها بفارغ الصبر.



وإذا كان هذا الظلم لا يدوم وكما قيل "دوام الحال من المحال"  في ارض الإسراء والمعراج . فكيف سيدوم ظلم من احتل الأرض، وقتل أهلها، واكل زرعها ،وسلب خيراتها، ودنس مقدساتها ،ونبش قبور الصالحين فيها، وتخطى كل محرمات الأديان، ومحظورات الأخلاق والأعراف الدولية .



طاب خاطري وتفاءلت لقدوم الجراد، ليس لأني أحب الضرر ،و تخريب المحاصيل، وقطع الأرزاق عن عباد الله "الخلق عيال الله"، بل، لأني وجدة بقدومه رسالة لكل الظالمين على هذه الأرض؛ أن اتعظوا وتذكروا أن ظلم لا يدوم في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس مهما علا في البنيان ، وطال به الزمان ؛فمصيره الزوال لا محالة .



فتوبوا إلى الله، وتحللوا من خطايا الناس قبل يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون.



فأرى قدومه موعظة وتذكير للظالمين



أ.عمار أبو زنيد



أبو حذيفة



12/3/2013


السبت، 9 مارس 2013

يافا مدينة الجمال


يافا
مدينة الجمال
قدر لي أن أزورها قبل أكثر من عشر سنوات وقضاء يوم وأطراف من الليل  في أرجائها ،بصحبة أصدقاء الدراسة في جامعة القدس أبوديس  حفظهم الله.

 بدئت الرحلة في مدينة يافا، بالسلام والتحية على شاطئها الفسيح، وبحرها العميق ،وأمواجها العالية ، وهي ترحب بأجسامنا وتلامس أطرافنا؛ لنتعانق عناق الإخوة المشتاقين بعد طول غياب .

وتركنا أنفسنا ومشاعرنا تتحدث ،وكلما حاول جسدنا الرجوع إلى الشاطئ؛ ازداد استمساك الموج بأهله وأحبته، لتبدأ معانقة جديد ،وتبدأ المشاعر القديمة  تتدفق ، والجسم يطفو فوق الماء راغبا بملامسة كل ماء البحر ،ومعانقة كل أموجه العالية .وكيف لا تشتاق الأمواج لقبطانها والشواطئ لأهلها.

وبعد فترة إذا برمال الشاطئ تصرخ بأعلى صوتها، تنثر الرمال ،وتحاول تحرك الصخور، راغباً بالعناق والتحية، فتذكرت حقها وواجبي نحوها، فودعت الموج ، وذهبت نحو الشاطئ ،لأصلي صلاة الضحى، واضع على الرمل جبهتي ساجدا لله ،مُقّبلاً الرمل ، تاركاً وجنتي تطرح السلام وتتمرغ بالرمال.

وبعد انتهاء الصلاة والتسليم، التفت نحو الشرق الشمالي ،وإذا المسجد تشرق أنواره ، وسط البنايات الشاهقة - مسجد حسن بيك- يغمر المكان بزرقة لونه ، وسِعة ساحاته ، وكبر قبابه وتوزيع مآذنه، فطرت  إليه شوقاً ؛كمن يرى الماء في الصحراء القاحلة ،فوقفت على بابه ،وإذا مكتوب ممنوع الدخول بثلاث لغات، قرأت وفهمت لغتين والثالثة لا شئن لي بها.

 فقلت في نفسي إذا كان الدخول ممنوع فلا بد من الزيارة من الخارج و السير بجانب حجارة السور ؛ لتلمس يدي نقشها، وترى عيّنيّا زرقة لونها، وسرنا مع السور و المسجد يصرخ مرحبا ،والحجر يئن ،والنخيل يتمايل ،والنوافذ تشكو الظلام ،والمآذن تنوح حالها ،و القباب تعلن عن نفسها  في وضح النهار.

 الكل يلوم الباب، ويتهمه بالتقصير، ويحمله إثم منع الأحبة من اللقاء ، فقلت في نفسي رغم كل هذا الغضب على الباب لابد من الاستماع له  ، فخاطبته غاضباً، بعد السلام والتحية، مالك تقف حائلا بين الأحبة تمنع اللقاء، وتفرق الأيادي ،وتباعد المسافات.

 أتمنع طرح السلام والصلاة والركوع والسجود في محارب مسجدك ،وبدء العتاب كأنه سيل عارم ، والعيون تذرف الدم من حمرتها، وإذا الباب ينهمر باكيا ! ودموع تسيل لتبتل الأرض من كثرتها! فطلبت منه الهدوء لنعرف القصة ، ونترك العتاب واللوم .

فسألته ما حجتك ! ما دهاك ! تكلم ! انطق ! دافع ! تحدت ! ألست من وجد ليكون مرحبا بالزائرين؟! الكل يتهمك ويلومك . فإذا به يقول، السبب المفتاح، لست أنا؛ فسأل  عن المفتاح إن شئت الحقيقة ؟ فقلت أين هو ؟!
 فقال : في جيب إمام المسجد المهجّر في مخيم العائدين- عين الحلوة بلبنان - ؛فسئلت لم يترك مفتاح أخر ،وهل يعقل أن هذا المسجد الكبير له مفتاح واحد فقط ؟! فقال :لا ، بل يوجد مفتاح أخر قَبضت يد المؤذن عليه عندما استشهد؛ فلم يستطع احد نزعه من يده ؛فدفن معه في مقبرة الشهداء ،فقلت ألا يوجد مفتاح مع أهل المدينة؟!  قال :والعين تدمع، أين هم ؟! لقد تبدلت الغزلان بالقرود، وقمحية الوجوه، بسواد الأثيوبيين ، و أجلف اليهود الغربيين، و حقد الشرقيين .

 أما الأهل والأحبة خرجوا ومعهم المفاتيح ، وانأ لا زلت على موعد مع دقات أيديهم ،و فرزات مفاتيحهم ، لأفتح دقاتي مرحبا بالزائرين .
قلت له أنا من ذريتهم، ومن أهل دينهم، ومن نسل أبوهم ادم، ومن أتباع نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم؛ فسمح لي بالدخول ، فاعتذر بكل لطف لا يا أخي، دفاتي لا تتحرك و قفل بابي لا يفتح إلا بمفتاح الإمام فذهب إليه  ،وعودوا جميعا، فانا بانتظاركم من زمن بعيد ،واشتاق  لتدفعكم على بابي، فلن أفتح دفاتي إلا بكم جميعا . ونحن على موعد. فقبلت الاعتذار.

ثم توجهت نحو الجنوب ،وإذا بمسجد البحر، يغرس نفسه في وسط الماء ،ففرحت ونسيت عتبي على مسجد حسن بيك ، فسرت إليه مسرعا نحو الباب ، وإذا به مغلق فازداد غضبي على الأبواب، وقلت في نفس الكثير بشأنها ونعتّها بكل ما خطر ببالي من كلام ، وإذا به يقول لا تلموني، وتزيد ألمي وتثخن جروحي، وتلهب دمعي ، يكفي ما بي .و إذا أردت الجواب توجه إلى مسجد يافا الكبير ، فهو جهة الشرق الجنوبي لا يبعد كثيرا.

فسرت نحوه وإذا بي  أمر من منتزه العروسة وإذا بالياسمين الأبيض ينشر عطره ،وتتدلى أهدابه ، والأغصان تحمل أزهار البرتقال وأوراقه، والريحان يخضّر كل ما تراه عينك، فقلت لنسير بين هذه الأشجار، و نشتم هذا النسيم و نسمع أهازيج العصافير وهي تغرد إلى الشاطئ تروي عطشها، ثم تعود إلى المتنزه تلتقط طعامها. فدخل السرور قلبي و بدأت نفسي تهدأ وانشرحت سريرتي .فحمدت الله كثيرا على ذلك.

لكن شهر العسل لم يدم طويلا ، ولحظات الراحة و الصفاء عمرها قصير في بلاد البرتقال اليافاوي ، وإذا بأسراب الجراد تسرح وتمرح، تأكل وتشرب، تضحك وترقص، تفعل كل قبيح بلا أدنى حد من الأخلاق والاحتشام، فصرخت في وجه الأشجار والأزهار، كيف بك تظلي هؤلاء الأوباش؟  ثم نظرت إلى الأرض غاضبا ! كيف تكوني لهؤلاء بساط؟ ونظرت إلى السماء، كيف تكوني لهم غطاء ؟ فلم انتظر الإجابة و تركت المكان .

ثم توجهت إلى مسجد يافا الكبير ،فإذا الباب مفتوح ! ففرحت قبل أن أصل إليه ،وتهيئة وبدأت ارتب أفكاري و، انتقي كلمات التحية والتقدير لباب يفتح دفاته مرحبا بالمصلين، فبلغته كل ما في صدر من محبة وشكر.

ثم دخلت المسجد فصليت في محرابه تحية المسجد والظهر والعصر جمعا وقصرا ، ثم التفت إلى جهة اليمين وإذا منبر يشمخ وسط المسجد، فترقيته حتى آخره، ووقفة على أعلاه ،أتفقد أجزاء المسجد وأحدق في نوافذه الملونة بالزجاج والزخارف ،وفنائه الواسع ، سقفه المرتفع ، فقلت لابد لي من كلمة أمام كل هذا.

فتهيأت للموعظة وسرح بي الخيال وكأني أتحدث في مسجد ازدحم بزواره ، فلم تتسع ساحاته وأروقة، لا تجد فيها مكان فارغ لموضع قدم ، وفعلا جاش في خاطري الكثير، وبداء لساني بالحديث وإذا بعيني تبصر الحقيقة المرة، وإذا المسجد خالي من أهله، فتوجهت إلى  المنبر أين أصدقائك؟! والى المحراب أين اهلك؟!  فإذا الجواب .

 الأهل تفرقوا في مخيمات العودة ومقابر الشهداء ! فسئلت مستنكرا لماذا تفتح أبوابك إذا؟! لمن ؟! فأجاب  لمن بقية من أهل وأحبة  ممن نجو من مذابح الأعداء أو لزائر كريم ؟ فقلت له وهل تفتح  بقية الأبواب ،فقال : لقد سألت عن ألم وجرح كبير، سر جهة الشرق تجد الإجابة . 

سرت وإذا الباب مفتوح، والمكان معمور ،فدخلت   وإذا بداخله مطعم يأكل فيه الأوباش لحم الخنزير، ويشربون الخمور، فتركت المكان ،واتجهت نحو الطابق الثاني  لمكتبة المسجد حسبما قراءة، وصعدت الدرج وإذا بالكتب تبدلت بأجساد الغانيات والراقصات وبنات الليل وأهل الرذيلة، يفعلون كل قبح في  مسجد يافا الكبير، فتركت المكان أجر أذيال الخيبة والألم ، فقلت في نفسي ليت أبوابك مغلق مثل  أبواب المساجد الأخرى.

فتوجهت نحو السوق وإذا الدكاكين مغلق والمفتوح منها يتاجر فيه غرباء ،والبيوت مهجور والمسكون منها  يسكنه دخلاء، والشوارع فارغة  ومن يسير عليها هم البغاء، والشجر يثمر ويأكله الأعداء،........

في أخر الطرق وعند باب الحافة نظرت نظرة الوداع ،وقلت كلمة الفراق لكي الله يا يافا استودع  الله ،شجرك وحجرك ،بقية اهلك ،مسجدك، بحرك ،رمالك، شمسك، قمرك، ليلك ،نهارك ،منابرك ،مآذنك، إدراجك  أزقتك ،كل ما في كي .
لنا فيك لقاء، عسى أن يكون قريبا
عمار أبو زنيد
أبو حذيفة
9/3/2013 

الثلاثاء، 5 مارس 2013

الكلمة الطيبة



الكلمة الطيبة 

﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25) وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ (26) ﴾
 [سورة إبراهيم الآية:24-27]

انتقاء الكلمات فن وفطرة مُودعه في خُلِق البشر، يصقلها وينميها أهل الحكمة والمعرفة؛ لتنبت في وجدانهم الأشجار الشاهقة، وتنتج الثمار الناضجة ، فتنشر جذورها في عروقهم لتصل جميع أطرافهم، وتبدأ تهدي ثمارها إلى كل قريب وبعيد ، بكل محبة ولين لا تتأثر بعواصف الغضب، و رياح الحدس، ونفحات الكراهية .

هذه الحروف المترابطة لها قيمة في حياة الناس واثر يتعدى حدود الزمان المكان. حيث بداء الوجود بكلمة "كن" فكان أمر الله بخلق الكون والمخلوقات ،بما فيها من دقة وجمال، و بها يصاغ أقدس عقد في حياة البشر فيُحل به الحرام و يحرم به الحلال، و بها تدخل الإسلام و بها تخرج منه، وبها ترتفع سبعين درجةً في جنات النعيم و بها تنخفض سبعين درجةً في دركات الجحيم .

السحر الذي تحمله بعض الكلمات يصعب وصفة، وهي تمتزج بابتسامة المحبة والإخلاص، خارجة من نفس نقية ،لتصل إلى أعماق سامعيها بكل سلاسةٍ و هدوءٍ. لتعمل فيه كعاملٍ ماهر يحول كومة الحجارة إلى تحفه يُتغنى بجماله ،وكمن يحول صفائح الذهب إلى قلائد تُحلى بها الأعناق، هذه القدرة والحصافة في انتقاء الكلام الصادق ، الناس بحاجة له قبل الطعام والشراب. 

هناك من يعيشون في بستان الكلام الطيب ، كلّما جالستهم وجدت رائحة أزهار حروفهم وثمار ألسنتهم تملئ المكان، تريح النفس و تضبط حركات الأطراف . فتجد السكينة والأمان بزيارتهم ،والمحبة والشوق بالجلوس تحت أشجار كلماتهم المثمرة؛ لتسمع الكلمات الطيبة، وترى الحركات اللطيفة ، و تحمل معك ثمارا طيّبة ورائحة زكيّة.

الكلام يُشبه بطبيعته الدواء يَحتاجُ إلى طبيبٍ ماهرٍ يكتبه ويقدر مقداره و مواعده، فإذا لم يكن الطبيب ماهراً تَقل فائدة الدواء ، وقد ينقلب الدواء إلى داء ،وكذلك الكلام الطيب لابد من انتقائه بكل مهارةٍ ودقةٍ  واختيار الزمان والمكان الذي يقال فيه، وعدم التأخر بالنطق فيه؛ لأنه لا حاجه للدواء بعد الشفاء.

لعل النفس كالفرس الأصيل لا بد من ترويضها و تدريبها على الكلام الطيب ،ولجّمها إذا استعصى الأمر، ولم ينفعها الوعظ والنصيحة. لتتعود الكلام الطيبة و زرع بذور المحبة والاحترام في قلوب الآخرين.  


كثيرا كان في خاطرنا كلاما طيبا لم نقله ،وكثيرا احتجنا لكلام طيب لم نسمعه.



                                                                                   أ.عمار ابو زنيد
                                                                                        ابو حذيفة
                    
  5/3/2013