السبت، 9 فبراير 2013

ساكـن الخيمـة "سوريـا الألـــم والأمــل"

ساكــن الخيمــة
"سوريــا الألـم والأـمل"

يحلم الجميع أن يعيش وأبنائه في هدوء وأمن ، يولدون ويتربون في أحضان أمهاتهم وتتغذى أجسامهم من ثمار حقولهم و يتنفسوا هوائها ، تُحلّق أبصارهم في سمائها ، تبحر أطرافهم  في بحرها ، يعيشون ويكبرون فيها ليبدأ دورهم في خدمة بلدهم وليردّوا الجميل للأرض والإنسان .

بعد أن أفنى عمره في بناء البيت وتزين جدرانه وتخضير حديقته وتجميل مدخله وتنسق نوافذه لتستقبل شمس الصباح مبكرا   ، فهو يعيش في هذا المنزل قبل أن يبنيه ، يحلم به قبل أن يراه مبنياً، يرتاح فيه قبل أن تلمس يده مفتاحه ،ترى عينه خضرة أشجاره وتلمس يده ثمارها قبل زرعها ،يشّتَم رائحةَ أزهارها قبل زرعها، فهي مسكونة في عقله قبل أن يسكنها ، ملازمه له كظله أينما كان كانت حاضرة، وأينما تحدث هي نشيده وأينما راء جملاً تخيّله فيها ،فهي  كل شيء له.

وبعد كل هذا وذاك تتفتح عيناه إذا  في العراء، يسكن خيمة من قماش لا تقي حراً ولا تَرد برداً ، مُرحبةً بكل أحوال الطقس، إذا أتى برد الشتاء كانت له مقرا ،إذا أتى حر الصيف كانت له حاضنة، إذا أتى الريح ليقلع أوتادها كانت أيضا مرحبةً، فعجباً لها لا ترد زائر ولا تحمي أهلاً.

هذه الأم التي حَلِمت أن تربي صغارها في غرفهم الخاصة ليكبر فيها ، يكتبوا أحلامهم على جدرانها ، يهنئوا بأسرَتِها ،يتلمسون دفأها، يصحون لتبصر أعينهم أنوارها ، يعيشون تحت سقفها ،يلهون في أفنيتها ، تكبر أحلامهم فيها ،يغرسون في شرفاتها أزهار الصمود ، وينشدون للمحبة أغنية البراءة والصفاء.

وهذا الشاب الذي عاش في بيت أبيه ،كبر مع أبناء جيرانه ، تعرّف على طرق بلده ومتاجرها ،تسلّق قِمم جبالها ،سابق الإخوة في سهولها ، بنا أحلامه في أفقِها، نسج خيوط الأمل والمستقبل على  هِضابها ،خطط وأغمض عيناه يحلم بغدٍ أفضل ومستقبلٍ مشرقٍ بالمحبة والطُمأنينة.  

وهذا المُعمّر الذي قّدر له أن يرى خراب بيته ويرى حجارته حصى وأثاثها أجزاء لا تحصى ،وأصبحت كومه من الحجارة والأتربة، تعيش تحتها الزواحف وتتنعم بها الطفيليات وينسج تحتها العنكبوت شباكه ،كأنها خرابه تركها أهالها من مئات السنين ،فهي تحن إلى سكانها الأصليّن أكثر من حنينهم لها وتشتاق لجمعهم أكثر من اشتياقهم  للقاء الأحبة ،لكن قُضي الأمر أن لا تلاقيا، فلا الحجر سوف يلتقي ليبني الجدران والأهل سوف يلتقون ليكملوا مشوار الحياة .

هذا اللاجئ الذي هدم بيته على رؤوس أحبته وتطايرت أحلامه وأماله مع غباره، نجا بنفسه تاركاً أبنائه وزوجته تحت أنقاض منزله ، ليعيشَ حياة التشرد والحرمان ،حياة طابور الخبز ،طابور الوقود ..... يقضي يومه متنقل بين الطوابير، لعله يحصل على حاجياته البسيطة .

هذا الذي كان يملك بيتا ،سيارة ،مالا..... له زوجه ،أبناء ،أخوة ،أصدقاء ،جيران ،أهل ،عشيرة ،أهل بلد ،فقدهم جميعا حتى منافسيه ومن أساؤوا معاملته وتعدوا على حقوقه وظلموه أصبح في شوق لهم ،فهو مجرد من كل شيء سوى الإيمان بالله وحتمية  النصر وتمكين المستضعفين.

هو اليوم يعيش مرارة التشرد والتيه تحت الخيام على حدود الوطن لا يمتلك إلا ذكريات الماضي في بلاد ولد فيها ، ظن انه صاحباها ، بنا معها صداقة ووقّع معها عقد شرف ومحبة ،اقسم لها أغلظ الأيمان أن يبقيا صديقين لا يفرقهما شيء يدب على الأرض، فإذا الطائرات تُلقي حممها (براميل المتفجرات) من السماء لتدمر كل ما على سطح الأرض معلنةًً قصراً عن كسر العلاقة وتمزيق العقد ونثر حروف الوفاء في مهب الريح .

أيتها الأرض لا تلومي صاحبك على هُجرانك، فقد ترك بين أنقاضك أشلاء أبنائه وسقى ترابك دم إخوانه ورسمك جميلة في عقلة يحمل همكِ ويستشعر آلامك ويتجرع مرارة ما ظلم به ، يحملك على كتفيه يشتمُ رائحَتكِ في كل لحظه، يعاهدك على العودة مهما طال الزمن وطغى الجبابرة وتأمر الخائنون و تخلى المرجفون وتقهقر المنافقون ،لنا فوق ترابك لقاء وتحت سماء معاد .

أ.عمار ابوزنيد
ابو حذيفة
9/2/2013



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق