ساكن القبر
"
سوريا الالم والامل "
بعد مرور العمّر و هزل الأعضاء واستبدال القوة بالضعف
والصحة بالمرض وسرير البيت بسرير المشفى وسرعة الخطوات بالبطء و العزيمة بالخمول.
تبدأ الأفكار تتجاذب صاحبها ؛ يتصور ويرسم في ذهنه ماذا بعد؟ لتجده يفكر ويتذكر أن
لا مفر من الرقود في حفرة ضيّقة المساحة منّخفضة الارتفاع عديمة التهوية مخاصمةًُ
لأشعة الشمس خصام النور للظلام ،مصادقة الزواحف والديدان تتغذى على الأطراف القوية
والجلّد الناعم واللسان الفصيح والعقل المنير والقلب القاسي.
هذا حال الناس في أواخر أيامهم يملون إلى عالم القبر .
يحرصون على توفير قبر خاص ليكون لجسدهم مسكناً ولكرمتهم حافظاً (كرامة
الميت دفنه) وفهم يحرص على تحضيره وتجهيز جدرانه من الحجر والزخارف، واغلبهم من يعمل له غطاء يحفر عليه اسمه ليّذكره المارة والزائرون
،ويٌذكرهم بتاريخ الوفاة طالبا قراءة الفاتحة وطلب الرحمة .
أما أهل الشام فعندهم الأمر يختلف كل الاختلاف. فهم يموتون فرادا جماعات بالقصف الغبي (براميل البارود)
.فالموت عندهم يوزع بالجملة على كل الشرائح: الصغير قبل الكبير ،المرأة قبل الرجل،
المؤيد قبل المعارض، الطيّور قبل المواشي ،المساجد قبل المخابز ،المشافي قبل
الحدائق، السهل قبل الجبل، رياض الأطفال قبل الجامعات. أينما وليت وجهك فثم الموت
،فلا مفر من الانتقال ولا ملجأ إلا إلى الله قاسم الجبارين قاهر الظالمين ناصر
المستضعفين.
فالقبور عندهم متسعة على غير عادتها ،مرتفعة
تعانق عنان السماء، تشرق فيها الشمس في كل صباح ،وتغرب فيها كل مساء ،مكشوفة للهواء، معانقة
ضّوء القمر، مصاحبه قطرات النداء؛ فلا حاجة لدفن الأموات؛ لأنك لا تدري أين يموت
المّيت :تحت أنقاض البيت، فوق أشواك الوديان ،تحت أشجار الزيتون، بالقرب من
الصبّار، في محارب المساجد، في أزقة الحارات، على أسلاك الحدود، في خيام اللاجئين،
في المستشفيات الميدانية .هل يموتون مغمورين بالتراب أو يبقون في العراء! هل تموت أطرافهم
على مراحل أم مرة واحدة! ما هذا الموت العجيب !
إذا كنا حريصين على كتابة أسمائنا على جدران
قبرونا ، فاعلم أن هناك من سيكتب : على حدائق الأطفال ،وعلى أحياء المدينة ، وعلى أنقاض
المخابر ، وعلى مآذن المساجد المهدمة ،... هذا قبر جماعي ومنهم من لا قبر يؤويه
ولا كفن يغطيه .
فلماذا ينشغل أهل حمص ودرعا وحلب و دمشق ... أنفسهم بحفر
القبور! فالأرض كلها قبر والسماء كلها لهب، والطريق كلها شوك ...
أ.عمار ابو زنيد
ابو حذيفة
19-2-2013
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق