الأربعاء، 27 فبراير 2013

وقفـة عــند بــاب القـــدس


وقفة عند باب القدس

 القدس المدينة الراسخة رسوخ جبالها ،الشامخة شموخ قبابها، العالية علو سمائها، الواسعة وسع أخلاق أهلها، الصابرة صبر صخرها تحت المنجل الظلم والطغيان.


القدس التي اشتقت من القدّسيّة اسماً، و من السماء باباً، ومن أفئدة المؤمنين قِبلةٍ، و من الجمال تاجاً، ومن عبق التاريخ تراث، ومن سليمان عليه السلام مَلكاً ،ومن عبد الملك بن مروان مُهندساً ومن مصر خراجاً.

نسكن بالقرب منها، نتنفس نفس الهواء ،وتشرق علينا الشمس وتغرب في نفس الوقت، ويطلع القمر في نفس الوقت ،العين تراها بكل وضوح ،والقلب يرتبط بها ارتباط الحياة بالهواء ،والدم  المتدفق بالعروق .

هي الجسد المجروح، ينّزف دمه مع كل إشراقة شمس في سمائها، ونسمة هواء بباحاتها، وكل هزّة غصن في ساحاتها، وكل رفرفة طير على جبالها، وكل حجر في سورها ،وكل سجدة نبي على ترابها، وكل دم شهيد روى ثراها ،وكل دعاء شيخ جليل في محرابها .

القدس التي نقترب منها ونحن في الحافلة نسيّر ،ونَشعر بان اللقاء قريب، والمصافحة  والعناق أقرب من الظّلِ لصاحبه ،والسجود تحت صخرةِ الإسراء والمعراج أقرب من المصلي لسجادة الصلاة ،ولمس الجدران وحجارة السور أقرب من النّحات لحجارته ، والنظر إلى الزخارف الإسلامية أقرب من الرسام لريشته .

وإذا بك   أمام جدار مرتفع وأسلاك لها من الأشواك والحدة مالا تتخيله ،وجندي قذر تحسبه من  عُصور التخلف والانحطاط ،وجهه لا يشبه شيء إلا  أسفل قدمه ، كلامه لا يشبه شيء إلا نعيق البوم، لا يكاد يرى في الوجود  إلا زناد بندقيةٍ مجرمةٍ تقطر من دم الأطفال الرضع والعباد الركع .

لكَ أن تتخيّل وأنت على أبواب القدس تمنع بكل هذا الصلف والزجر و اللؤم، وإذا اقتربت منها جرجروك، و سحلوك في الشوارع ،وفي أقبية السجون أودعوك، لا لشيء؛ إلا أن قلباً اشتاق للقاء، و روحاً ترغب في سجدةٍ ،وجسد يريد أن يلقي متاعبه: بتهليله, وركعة، وسجد، وتسبحه .في مسجد صلى فيه ابن عبد المطلب صلى الله عليه وسلم إمام بالأنبياء ، ثم  عرج منها لرب السماء.

ما أصعبه من الم! وما أثقله من شعور! وما أضيقه من حال! عندما تحتاج للصور و أشرطة لتعرف صغارك على أقصاهم، ومدينتهم ،وعاصمة دولتهم، مَكمَن وجودهم .وتتربص الفرص على الشاشات لتعرفهم معالم المدينة الأنبياء. أو تقف على قمم الجبال المجاورة لترى قبة الصخرة تشع نورها في الوجود عاكسة أشعة الصبر لأفئدة الأهل المحرومين من اللقاء .

كيف هي الحياة؟!؟!؟! وأنت تسمع أبناء القردة والخنازير يعلنون في كل لحظة أن الهيكل حلمهم الذي لم يتحقق بعد، وهدفهم الذي لا يحيدون عنه ،وانه لابد أن يبنى على إنقاذ الأقصى .

لكِ  الله يا مدينة الأنبياء

أ.عمار أبو زنيد

أبو حذيفة

27/2/2013




السبت، 23 فبراير 2013

ساكن الزنزانة "أيمن الشراونة وسامر العيساوي"




ساكن الزنزانة

"أيمن الشراونة وسامر العيساوي"



يحيى أهل الحق الحياة بروح ووجدان ،متّجهون إلى مبدأ وفكرة يشعرون بوجودهم بحملها ،كرجال يدبون الخطى على صخر المستحيل، غير آبهين بكثرة الشوك ،ودقة المنعطفات ،وطول الطريق، وقلة السالكين ، وظلمة الليالي. قاهرين قوة الظلم ،متحدين الواقع بكل أمل، رافضين التعايش مع الذل بكل عنفوان ،عازفين نغم الحريّة رغم سوط الجلاد ،و بطش السجان ،رافضين التّودد والتبسم في وجه من صادر حريّتهم، وأودعهم مقابر الأحياء.



كيف يؤمن بالمستحيل، من كسر عزيمة سجانه، وسخر من قيّده، وتحرر من كل مظاهر العبودية و الضعف ، وترك عن كل شيء يتغّذى عليه الجسد ، واتجه إلى تغذية الروح بالإيمان والأمل . تاركا صفات أهل الدنيا متجها نحو صفات أهل الآخرة، متغذي بالتسبيح ،مستأنس بالله ،شارب كأس الكرامة والإباء ،متنفس هواء الحرية والفداء.



  ما هذا الشموخ! من رجل هزل جسده ونحل عوده وهمدت أعضاءه.

 ما هذا الكبرياء ! من رجل يتحدى القوة بالضعف ،والطعام بالجوع و الماء بالعطش ،والمرض بالصحة.

ما هذا العنفوان! من رجل يتحدى القيد بالحرية، والجدران الضيقة بسهول جنين والسقف المتدلي بجبال الخليل والبرد بحرارة صحراء النقب والريح بعطر بساتين يافا .



فإذا تغنى أهل الأرض بقوة الجسم هناك من يتغنى بقوة الروح والإيمان، وإذا ارتاح الناس في الفراش وعلى الوسائد المخملية، هناك من يفترش جسده البلاط، ويتوسد جبينه الكريم الحذاء، ويلتحف السماء، فإذا تمتع الناس بجمال الألوان، ونعومة الملمس هناك من لا يعرف إلا لون الجدران القاتمة والأيادي الخشنة والوجوه الكالحة  ولا يسمع إلا الألفاظ   النابية ولا يشتّم إلا رائحة البطانية المتعفنة لا يقدر على قضاء حجته بدون إذن السجان.



رغم كل هذه العناء وهذا البؤس تجدهم يرسمون على وجوه سجانيهم الذل والاحتقار. وينشد على جرح الألم أغنية الوطن،  بلحن على هزّات القيد، يشدون بها على هضاب الحرية، و يحفرنها على جدران الزنزانة  معلنين أنهم  أقوى من كل ما ترى أعينهم ، اصلب مما وضعوه في معاصمهم، اشد من حديد قفول سجانيهم  في طلب حقهم بالحرية والكرامة.

 ولهم أيضا قلوب  ارق من نسمات الصباح وأخف من همس النحل على الياسمين. يشدون نحو الحرية والكرامة والأهل والوطن . فهم رغم كل هذا من طينة البشر  .



 عهدهم أن لا تَلن لهم قناة، ولم تهن لهم عزيمة فما عهدنا     ؟!؟!؟!؟!؟



أ.عمار ابو زنيد

ابو حذيفة

23/2/2013










الثلاثاء، 19 فبراير 2013

ساكن القبر سوريا الالم والامل


ساكن القبر
" سوريا الالم والامل "

بعد مرور العمّر و هزل الأعضاء واستبدال القوة بالضعف والصحة بالمرض وسرير البيت بسرير المشفى وسرعة الخطوات بالبطء و العزيمة بالخمول. تبدأ الأفكار تتجاذب صاحبها ؛ يتصور ويرسم في ذهنه ماذا بعد؟ لتجده يفكر ويتذكر أن لا مفر من الرقود في حفرة ضيّقة المساحة منّخفضة الارتفاع عديمة التهوية مخاصمةًُ لأشعة الشمس خصام النور للظلام ،مصادقة الزواحف والديدان تتغذى على الأطراف القوية والجلّد الناعم واللسان الفصيح والعقل المنير والقلب القاسي.

هذا حال الناس في أواخر أيامهم يملون إلى عالم القبر . يحرصون على توفير قبر خاص ليكون لجسدهم  مسكناً ولكرمتهم  حافظاً (كرامة الميت دفنه) وفهم يحرص على تحضيره وتجهيز جدرانه من الحجر والزخارف، واغلبهم من يعمل له غطاء يحفر عليه اسمه ليّذكره المارة والزائرون ،ويٌذكرهم بتاريخ الوفاة طالبا قراءة الفاتحة وطلب الرحمة .

أما أهل الشام فعندهم الأمر يختلف كل الاختلاف. فهم يموتون فرادا جماعات بالقصف الغبي (براميل البارود) .فالموت عندهم يوزع بالجملة على كل الشرائح: الصغير قبل الكبير ،المرأة قبل الرجل، المؤيد قبل المعارض، الطيّور قبل المواشي ،المساجد قبل المخابز ،المشافي قبل الحدائق، السهل قبل الجبل، رياض الأطفال قبل الجامعات. أينما وليت وجهك فثم الموت ،فلا مفر من الانتقال ولا ملجأ إلا إلى الله قاسم الجبارين قاهر الظالمين ناصر المستضعفين.

فالقبور عندهم متسعة على غير عادتها ،مرتفعة تعانق عنان السماء، تشرق فيها الشمس في كل صباح ،وتغرب فيها كل مساء ،مكشوفة للهواء، معانقة ضّوء القمر، مصاحبه قطرات النداء؛ فلا حاجة لدفن الأموات؛ لأنك لا تدري أين يموت المّيت :تحت أنقاض البيت، فوق أشواك الوديان ،تحت أشجار الزيتون، بالقرب من الصبّار، في محارب المساجد، في أزقة الحارات، على أسلاك الحدود، في خيام اللاجئين، في المستشفيات الميدانية .هل يموتون مغمورين بالتراب أو يبقون في العراء! هل تموت أطرافهم على مراحل أم مرة واحدة! ما هذا الموت العجيب !

إذا كنا حريصين على كتابة أسمائنا على جدران قبرونا ، فاعلم أن هناك من سيكتب : على حدائق الأطفال ،وعلى أحياء المدينة ، وعلى أنقاض المخابر ، وعلى مآذن المساجد المهدمة ،... هذا قبر جماعي ومنهم من لا قبر يؤويه ولا كفن يغطيه .


فلماذا ينشغل أهل حمص ودرعا وحلب و دمشق ... أنفسهم بحفر القبور! فالأرض كلها قبر والسماء كلها لهب، والطريق كلها شوك  ...

أ.عمار ابو زنيد

ابو حذيفة
19-2-2013                                         

الأربعاء، 13 فبراير 2013

الورد الطبيعي يذبل


الورد الطبيعي يذبل


مع تحسس البلابل لدفء شباط وارتعاش الأغصان للبس الرداء الجميل ،مع انبساط اللون الأخضر على وجه الأرض معلنا بدأ فصل الربيع، مزيلا جمود الشتاء متحديا عواصفه وبرده ، مستأنس بخيوط شمس الصباح ،متفائل بأزهار اللوز البيضاء، اكتب هذه السطور علها تلامس موضعا في العقول، تهمس في الآذان ،تُنعش عاطفة أهملها النسيان، تؤنس مستوحشا في تيه الصحراء، تشجع كسولا أضاع العمر هباء، تدغدغ عواطف مليئة بالآلام، علّها تجد في هذه الكلمات بلسم يداوي الجراح ، نورا في ظلمة الليل المحدق، لتكون فاتحة خير لهذا الفصل الجميل. 



بعد الانتصار على الشتاء وإعلان فوز الربيع و بدء ظهور لونه الأخضر وبسطه على جميع أنحاء البلاد ، تبدأ الورود تطل بكل ثقةٍ وأمل، بكل محبةٍ ورقة ،معلنةً عن نفسها أينما وجدت دون تردد أو خجل مظهرةً ما أودعها الله من جمال ، ناشرةً عطرها  مع نسمات  هواء الصباح،  راويةً قطرات الندى بلطفها، مغذيتا نحلة الخير والبركة ،غامرةًً الطيور المغردة بالوداعة والنقاء  ، باعثةً الأمل والمحبة في القلوب المأسورة بالحزن والآلام.



وبعد أن تتفتح يظهر تألقها وجمالها وتبدأ نشر عطرها،  تأتيها يد الشر لتقطفها مستأثرةً بها، شافيةً نزعة الأنانية وحب الذات المغروسة في يد الشر، مُجبرةً هذه الوردة إخراج عصارتها التي احتفظت بها طويلا تحت لحائها حافظةً لها من كل تأثر أو مزج مع عناصر أخرى، فهي تعتصر الألم لفراق أوراقها وأغصانها وجذورها ، وهو يتنعم بعطرها ،لمعان لونها، نعومة ملمسها. 


الورد الطبيعي يختلف كل الاختلاف عن الصناعي، فهي مليئة بالحيوية والعطر و النعومة والحنان، ألوانها تنادي فراش السهول وبلابل التلال، لتشتم من رحيقها وتتغذى على عطرها وترتاح على أطرافها المخملية، لكن يُحيطها بعض الشوك تحتاج أن تصبر عليه أما المصنّعة  تبقى صامته لا تُأثر ولا تتأثر،  لكنها بدو أشواك.



هذه الوردة تستحق خير الجزاء بتغذيتها وريّها ، السماح لشمس الصباح أن ترها ،نسيم الهواء أن يحركا أهدابها،ليضاف عمرا لعمرها وتتضاعف حيويتها و يكثر لمعانها وتتسع أطرافها وتنشر عطرها ، فبحسن التلطف بها يزاد الجمال جمالا، فترد الإحسان سعادة وأمل ، الرعاية محبة وصبر ،وان تركتها بدون ماء وغذاء ،شمس وهواء ،فلا تلمها على قصر العمر وبؤس المظهر، قلة العطر و هازلة الأطراف  فليس الذنب ذنبها فهي مودعة بالجمال لكنها تحتاج إلى حسن الرعاية .



 أما الوردة المصنّعة لا تحتاج لكل هذا التعب والعناية والاهتمام فهي جامدة صامته صمت الأموات ثابتة ثبات الأصنام  لا تعطيك إلا الجمود و المنظر المقلد، اللمعان المصطنع ،الرقة المزيفة ،لكنها لا تطلب حسن الرعاية وتحمل أذى الشوك.



أ.عمار أبو زنيد

أبو حذيفة

13/2/2013


السبت، 9 فبراير 2013

ساكـن الخيمـة "سوريـا الألـــم والأمــل"

ساكــن الخيمــة
"سوريــا الألـم والأـمل"

يحلم الجميع أن يعيش وأبنائه في هدوء وأمن ، يولدون ويتربون في أحضان أمهاتهم وتتغذى أجسامهم من ثمار حقولهم و يتنفسوا هوائها ، تُحلّق أبصارهم في سمائها ، تبحر أطرافهم  في بحرها ، يعيشون ويكبرون فيها ليبدأ دورهم في خدمة بلدهم وليردّوا الجميل للأرض والإنسان .

بعد أن أفنى عمره في بناء البيت وتزين جدرانه وتخضير حديقته وتجميل مدخله وتنسق نوافذه لتستقبل شمس الصباح مبكرا   ، فهو يعيش في هذا المنزل قبل أن يبنيه ، يحلم به قبل أن يراه مبنياً، يرتاح فيه قبل أن تلمس يده مفتاحه ،ترى عينه خضرة أشجاره وتلمس يده ثمارها قبل زرعها ،يشّتَم رائحةَ أزهارها قبل زرعها، فهي مسكونة في عقله قبل أن يسكنها ، ملازمه له كظله أينما كان كانت حاضرة، وأينما تحدث هي نشيده وأينما راء جملاً تخيّله فيها ،فهي  كل شيء له.

وبعد كل هذا وذاك تتفتح عيناه إذا  في العراء، يسكن خيمة من قماش لا تقي حراً ولا تَرد برداً ، مُرحبةً بكل أحوال الطقس، إذا أتى برد الشتاء كانت له مقرا ،إذا أتى حر الصيف كانت له حاضنة، إذا أتى الريح ليقلع أوتادها كانت أيضا مرحبةً، فعجباً لها لا ترد زائر ولا تحمي أهلاً.

هذه الأم التي حَلِمت أن تربي صغارها في غرفهم الخاصة ليكبر فيها ، يكتبوا أحلامهم على جدرانها ، يهنئوا بأسرَتِها ،يتلمسون دفأها، يصحون لتبصر أعينهم أنوارها ، يعيشون تحت سقفها ،يلهون في أفنيتها ، تكبر أحلامهم فيها ،يغرسون في شرفاتها أزهار الصمود ، وينشدون للمحبة أغنية البراءة والصفاء.

وهذا الشاب الذي عاش في بيت أبيه ،كبر مع أبناء جيرانه ، تعرّف على طرق بلده ومتاجرها ،تسلّق قِمم جبالها ،سابق الإخوة في سهولها ، بنا أحلامه في أفقِها، نسج خيوط الأمل والمستقبل على  هِضابها ،خطط وأغمض عيناه يحلم بغدٍ أفضل ومستقبلٍ مشرقٍ بالمحبة والطُمأنينة.  

وهذا المُعمّر الذي قّدر له أن يرى خراب بيته ويرى حجارته حصى وأثاثها أجزاء لا تحصى ،وأصبحت كومه من الحجارة والأتربة، تعيش تحتها الزواحف وتتنعم بها الطفيليات وينسج تحتها العنكبوت شباكه ،كأنها خرابه تركها أهالها من مئات السنين ،فهي تحن إلى سكانها الأصليّن أكثر من حنينهم لها وتشتاق لجمعهم أكثر من اشتياقهم  للقاء الأحبة ،لكن قُضي الأمر أن لا تلاقيا، فلا الحجر سوف يلتقي ليبني الجدران والأهل سوف يلتقون ليكملوا مشوار الحياة .

هذا اللاجئ الذي هدم بيته على رؤوس أحبته وتطايرت أحلامه وأماله مع غباره، نجا بنفسه تاركاً أبنائه وزوجته تحت أنقاض منزله ، ليعيشَ حياة التشرد والحرمان ،حياة طابور الخبز ،طابور الوقود ..... يقضي يومه متنقل بين الطوابير، لعله يحصل على حاجياته البسيطة .

هذا الذي كان يملك بيتا ،سيارة ،مالا..... له زوجه ،أبناء ،أخوة ،أصدقاء ،جيران ،أهل ،عشيرة ،أهل بلد ،فقدهم جميعا حتى منافسيه ومن أساؤوا معاملته وتعدوا على حقوقه وظلموه أصبح في شوق لهم ،فهو مجرد من كل شيء سوى الإيمان بالله وحتمية  النصر وتمكين المستضعفين.

هو اليوم يعيش مرارة التشرد والتيه تحت الخيام على حدود الوطن لا يمتلك إلا ذكريات الماضي في بلاد ولد فيها ، ظن انه صاحباها ، بنا معها صداقة ووقّع معها عقد شرف ومحبة ،اقسم لها أغلظ الأيمان أن يبقيا صديقين لا يفرقهما شيء يدب على الأرض، فإذا الطائرات تُلقي حممها (براميل المتفجرات) من السماء لتدمر كل ما على سطح الأرض معلنةًً قصراً عن كسر العلاقة وتمزيق العقد ونثر حروف الوفاء في مهب الريح .

أيتها الأرض لا تلومي صاحبك على هُجرانك، فقد ترك بين أنقاضك أشلاء أبنائه وسقى ترابك دم إخوانه ورسمك جميلة في عقلة يحمل همكِ ويستشعر آلامك ويتجرع مرارة ما ظلم به ، يحملك على كتفيه يشتمُ رائحَتكِ في كل لحظه، يعاهدك على العودة مهما طال الزمن وطغى الجبابرة وتأمر الخائنون و تخلى المرجفون وتقهقر المنافقون ،لنا فوق ترابك لقاء وتحت سماء معاد .

أ.عمار ابوزنيد
ابو حذيفة
9/2/2013



الاثنين، 4 فبراير 2013

الصورة والحقيقة



الصــورة والحقيقــــة

يثير الانتباه عادةً منظر طبيعي جميل ،عمل فني رائع ، صورة زعيم، صورة شهيد ، مقولة حكيم، شعار مؤثر.... فتُبّحر عيّناك في أعماقها لدرجت أن تلتصق في عقلك وتبقى محفورة في الأذهان ببهائها وعنفوانها، تتذكرها كلما طربت شوقا إلى صاحبها لتبقى ذاكرتك حية بها منيرةً شمعةًَ في وسط الظلام الحالك .

كثيرين يُعجبهم منظر فيصوره ; محبّتاً في التخليد وحرصا على عدم النسيان ،وكلما كان المنظر مؤثراً كان الحرص على الصورة اكبر، لدرجة أن بعض الناس إذا أعجب بصورة يقوم بوضعها في عدّة أماكن ويظهرها في كثير من المناسبات العامة والخاصة، ومع تطور التكنولوجيا أصبح الاحتفاظ بها أسهل وأيسر، فممكن أن تحتفظ بها على حاسوب و المحمول ......  .

حيثما وضعت الصورة تبقى صوره رغم ما تحويه من جمال منظر وعَظمة شخصية وشعار مدوي وألوان جذّابة وإطار جميل . لا يمكنها أن تغيّر شيئا ،إذا لم تلامس شيء في نفسك، لينتقل الإعجاب إلى نموذج للعمل وقدوة ومحطة انطلاق، فإذا أعجبت بصورة كرم عنب مثلا عليك أن تزرع شجرة لتأكل منها وتزين بها حقلُك ،فمهما كانت صورة العنب جميلة وكثيفة الثمر لا يمكن أن تأكل منها شيء ولن تعطيك إلا جمال المنظر فقط، أما إذا زرعت شجرة ولو من نوع بسيط سوفَ تأكل من ثمرها عنب.

تجد الكثيرين يحرصون على إظهار صور القادة والرؤساء..... ومنهم من حفرها على أدواته الخاصة إعجابا بها وهم يستحقون ذلك وأكثر، ولكن لا تجد اثر لهذه الصورة في حياتهم وتجد من يكتب شعارا جميلا في صفحته وهو لا يطبق منه شيء ومنهم من قال وأطال  في تبرير مواقف وشرح نظريات فإذا هي سراب تعكس صورة شيء لا وجود له في الواقع.

إذا كان كل هذا الحرص على الصورة فنجعل من أنفسنا نماذج لها ولو بسيطة ، وإذا كانت الأخلاق والسلوكيات منابر من نور فلنضيء منها على من حولنا ولو بالقليل ، وإذا كانت النظريات تعبّد لنا الطريق فلنوسع مدخلها ،وإذا كانت الشعارات تُحي فينا الأمل فلنبعث فيها الحياة في عالم الصمت ،ولا نكن عبّاد صور وشعارات  فقط.

 أ.عمار أبو زنيد
أبو حذيفة
4/2/2013