وقفة عند باب
القدس
القدس المدينة الراسخة رسوخ
جبالها ،الشامخة شموخ قبابها، العالية علو سمائها، الواسعة وسع أخلاق أهلها،
الصابرة صبر صخرها تحت المنجل الظلم والطغيان.
القدس التي اشتقت من القدّسيّة اسماً،
و من السماء باباً، ومن أفئدة المؤمنين قِبلةٍ، و من الجمال تاجاً، ومن عبق
التاريخ تراث، ومن سليمان عليه السلام مَلكاً ،ومن عبد الملك بن مروان مُهندساً
ومن مصر خراجاً.
نسكن بالقرب منها، نتنفس نفس الهواء
،وتشرق علينا الشمس وتغرب في نفس الوقت، ويطلع القمر في نفس الوقت ،العين تراها
بكل وضوح ،والقلب يرتبط بها ارتباط الحياة بالهواء ،والدم المتدفق بالعروق .
هي الجسد المجروح، ينّزف دمه مع كل
إشراقة شمس في سمائها، ونسمة هواء بباحاتها، وكل هزّة غصن في ساحاتها، وكل رفرفة
طير على جبالها، وكل حجر في سورها ،وكل سجدة نبي على ترابها، وكل دم شهيد روى
ثراها ،وكل دعاء شيخ جليل في محرابها .
القدس التي نقترب منها ونحن في
الحافلة نسيّر ،ونَشعر بان اللقاء قريب، والمصافحة والعناق أقرب من الظّلِ
لصاحبه ،والسجود تحت صخرةِ الإسراء والمعراج أقرب من المصلي لسجادة الصلاة ،ولمس
الجدران وحجارة السور أقرب من النّحات لحجارته ، والنظر إلى الزخارف الإسلامية
أقرب من الرسام لريشته .
وإذا بك أمام جدار مرتفع
وأسلاك لها من الأشواك والحدة مالا تتخيله ،وجندي قذر تحسبه من عُصور التخلف
والانحطاط ،وجهه لا يشبه شيء إلا أسفل قدمه ، كلامه لا يشبه شيء إلا نعيق
البوم، لا يكاد يرى في الوجود إلا زناد بندقيةٍ مجرمةٍ تقطر من دم الأطفال
الرضع والعباد الركع .
لكَ أن تتخيّل وأنت على أبواب القدس
تمنع بكل هذا الصلف والزجر و اللؤم، وإذا اقتربت منها جرجروك، و سحلوك في الشوارع
،وفي أقبية السجون أودعوك، لا لشيء؛ إلا أن قلباً اشتاق للقاء، و روحاً ترغب في
سجدةٍ ،وجسد يريد أن يلقي متاعبه: بتهليله, وركعة، وسجد، وتسبحه .في مسجد صلى فيه
ابن عبد المطلب صلى الله عليه وسلم إمام بالأنبياء ، ثم عرج منها لرب السماء.
ما أصعبه من الم! وما أثقله من شعور!
وما أضيقه من حال! عندما تحتاج للصور و أشرطة لتعرف صغارك على أقصاهم، ومدينتهم
،وعاصمة دولتهم، مَكمَن وجودهم .وتتربص الفرص على الشاشات لتعرفهم معالم المدينة
الأنبياء. أو تقف على قمم الجبال المجاورة لترى قبة الصخرة تشع نورها في الوجود
عاكسة أشعة الصبر لأفئدة الأهل المحرومين من اللقاء .
كيف هي الحياة؟!؟!؟! وأنت تسمع أبناء
القردة والخنازير يعلنون في كل لحظة أن الهيكل حلمهم الذي لم يتحقق بعد، وهدفهم الذي
لا يحيدون عنه ،وانه لابد أن يبنى على إنقاذ الأقصى .
لكِ الله يا مدينة الأنبياء
أ.عمار
أبو زنيد
أبو
حذيفة
27/2/2013