الإسفنج
والممانعة
اختلاف المواد
وتمايزها بصفات مختلفة عن بعضها البعض؛ جعلها تختلف في قدرتها على الممانعة، بحيث
تتدرج من القدرة العالية للإسفنج على الامتصاص بدون حدود وضوابط، بلا أدنا رفض
للسائل المحيط ،وتركه أيضا، بكل سهولة ويسر، و بأبسط تأثر أو اضعف ضغط ، إلى
صلابة الصخور وقدرتها على الممانعة أمام السوائل المحيطة، وقدرتها على
مواجهة الضربات وصمودها أمام الهزات ورفضها لكل الشوائب والمؤثرات.
وجود القناعات،
والأفكار والمبدأ عند الناس يرتقي بوعيهم، و يُنير بصيرتهم، ويصوب مسارهم، بحث
تصبح الحارس الأمين على ميزان القبول و الرفض ، و جدار الممانعة، متحكمة بالمنافذ والمداخل، وحيث كانت
هذه المبادئ راسخة؛ كان الميزان أدق واقدر على وزن الأمور، ووضعها في نصابها،
وتقدير المواقف واستشراف المستقبل، ومتابعة قضايا الحاضر بكل دقة واقتدار.
إن اختلال ميزان الممانعة
يجعل من الشخص يستقبل كل شيء. كل الأفكار لها متسع ،وكل المواقف لها تبرير، و كل
النظريات لها مصداقية، لا تكاد تجده يدافع عن شيء, متقلب ما تكاد تجده وافر
الخير ممتلئ بالصدق والأمانة والإخلاص؛ حتى ينسلخ منها كالإسفنج والماء.
يعتقد
انه يستطيع أن يجمع بين المتناقضات ويقارب بين المتنافرات، مهما كان الاختلاف وبعد
المسافة. حتى أن منهم من لا تجد عنده فرق بين المسلم وغير المسلم، بين من يجاهر
بالمعاصر وبين من يقول ربي لله، بين من تخلى عن الأخلاق ومن يحملها من أوسع
أبوابها، بين من سلك طرق الضلال وبين من يسير على هدى من ربه ،بين من باع نفسه
للشيطان ومن يلوذ بحمى الرحمن، بين من قضى عمره في الخيانة والنذالة وهتك الأعراض
وتدمير البلاد ،و العمالة مع الاحتلال ،وبين من يهتف باسم الوطن مع كل إشراقة
شمس في عتمة الزنزانة.
من اختل ميزانه سهل
عليه التعاطي والتأثر بكل شيء، تحده يغرد مع كل لحن، يردد كل شعر, ويتفاعل مع كل
نثر. إذا دخل المحراب كان عابداً زاهدا، وإذا سمع دف وزغرودة أصبح رقاصا متمايل
الأطراف, وإذا لمح الباطل تركل الحق، وإذا اضطر للكذب نسى الصدق، إن طاب سهره نسي
الصلاة ......
هذا حال من ختل
ميزان الممانعة عنده، واختلطت الألوان عنده والتبست أحوله، وتداخلت مواقفه. فأصبح
التمايز بين الأشياء معدوم، كل شيء مبرر، ما دام يحقق المصلحة الخاصة ولا يعكر صفو
حياته، و يضمن إشباع غرائزه، وهوى نفسه.
الإسفنج
يستقبل بسهولة ويِسر ،ويترك إذا بسهولة ويسر.
أ.عمار أبو زنيد
أبو حذيفة
21-5-2013