الأربعاء، 26 يونيو 2013

الإسفنج والممانعة


الإسفنج والممانعة

اختلاف المواد وتمايزها بصفات مختلفة عن بعضها البعض؛ جعلها تختلف في قدرتها على الممانعة، بحيث تتدرج من القدرة العالية للإسفنج على الامتصاص بدون حدود وضوابط، بلا أدنا رفض للسائل  المحيط ،وتركه أيضا، بكل سهولة ويسر، و بأبسط تأثر أو اضعف ضغط ، إلى صلابة الصخور وقدرتها على الممانعة أمام السوائل  المحيطة، وقدرتها على مواجهة الضربات وصمودها أمام الهزات ورفضها لكل الشوائب والمؤثرات.


وجود القناعات، والأفكار والمبدأ عند الناس يرتقي بوعيهم، و يُنير بصيرتهم، ويصوب مسارهم، بحث تصبح الحارس الأمين  على ميزان القبول و الرفض ، و جدار الممانعة، متحكمة بالمنافذ والمداخل، وحيث كانت هذه المبادئ راسخة؛ كان الميزان أدق واقدر على وزن الأمور، ووضعها في نصابها، وتقدير المواقف واستشراف المستقبل، ومتابعة قضايا الحاضر بكل دقة واقتدار.

إن اختلال ميزان الممانعة يجعل من الشخص يستقبل كل شيء. كل الأفكار لها متسع ،وكل المواقف لها تبرير، و كل النظريات لها مصداقية،  لا تكاد تجده يدافع عن شيء, متقلب ما تكاد تجده وافر الخير ممتلئ بالصدق والأمانة والإخلاص؛ حتى ينسلخ منها كالإسفنج والماء.

   يعتقد انه يستطيع أن يجمع بين المتناقضات ويقارب بين المتنافرات، مهما كان الاختلاف وبعد المسافة. حتى أن منهم من لا تجد عنده فرق بين المسلم وغير المسلم، بين من يجاهر بالمعاصر وبين من يقول ربي لله، بين من تخلى عن الأخلاق  ومن يحملها من أوسع أبوابها، بين من سلك طرق الضلال وبين من يسير على هدى من ربه ،بين من باع نفسه للشيطان ومن يلوذ بحمى الرحمن، بين من قضى عمره في الخيانة والنذالة وهتك الأعراض وتدمير البلاد ،و العمالة  مع الاحتلال ،وبين من يهتف باسم الوطن مع كل إشراقة شمس في عتمة الزنزانة.

من اختل ميزانه سهل عليه التعاطي والتأثر بكل شيء، تحده يغرد مع كل لحن، يردد كل شعر, ويتفاعل مع كل نثر. إذا دخل المحراب كان عابداً زاهدا، وإذا سمع دف وزغرودة أصبح رقاصا متمايل الأطراف, وإذا لمح الباطل تركل الحق، وإذا اضطر للكذب نسى الصدق، إن طاب سهره نسي الصلاة ......

هذا حال من ختل ميزان الممانعة عنده، واختلطت الألوان عنده والتبست أحوله، وتداخلت مواقفه. فأصبح التمايز بين الأشياء معدوم، كل شيء مبرر، ما دام يحقق المصلحة الخاصة ولا يعكر صفو حياته، و يضمن إشباع غرائزه، وهوى نفسه.  

الإسفنج يستقبل بسهولة ويِسر ،ويترك إذا بسهولة ويسر.

أ.عمار أبو زنيد
أبو حذيفة
21-5-2013
  

الرقص بين المطرقة والسنديان


الرقص بين المطرقة والسنديان

يعمل الإنسان في مهن كثيرة .منها ما يختاره رغبتا ومنها ما تجبره الظروف عليه...   ومنها و منها ...

أما أن تعمل في مهنة الحدادة فلا بدلك من قوة ساعد ،تساعدك على رفع المطرقة وضربها ،وكذلك لا بد من سنديان ثابت يتحمل قوة الضرب، وقوة ردة الفعل.

  هذا ما تحتاجه مهنة تطويع الحديد، ساعد قوي، ومطرقة ثقيلة، وسنديان ثابت، و قطع الحديد التي قدر لها أن تقع بينهما. فهي صاحبة الغرض ونتيجة الجهد، وثمرة الصبر، والأعين تنظر إليها، والقلوب معقودة عليها ،والكل يتطلع لها كيف ترقص مع ضربات المطرقة، وكيف تعمل بها يد الحداد، والكل يسمع صوتها وترنيمات السنديان؛ لدرجة أن بعض البلهاء يحسبها موسيقى تُعزف في ساعة صفا.

ثبات السنديان ،و توزع ضربات المطرقة على الأطراف، ووسط قطعة الحديد، يخرج شكلها النهائي. لكن هل مشابه لما تخيله الحداد؟ أم انه تحتاج إلى طرق إضافي و توزيع الضربات بشكل أدق، أو أنها تحتاج للهيب النار يكوي أجزاءها.  وهل تلبي حاجت من طلبها جميلة نقية؟.

كثرة الضربات، وبتر الأجزاء، ولهيب النار، لا يغير طبيعة الأشياء، بل ينقيها ويخرج الشوائب منها، ويعيدها إلى أصلها, فالحديد كلما طال ثباته تحت المطرقة، واشتد لهيب النار، ازداد نقائه، و لمع لونه، وتشكل ليلبي الحاجة المقصودة منه، ولو تركت لصدئت و تفتت  أجزائه وأصبح ماضي يتغنى به وذكر تهب نسماتها وتخبو.

هذا المنتج ما كان له يبهر الأبصار، و يشد القلوب، ويلبي الحاجة المقصد منه، ويسد الفراغ، ويسعد صاحبه، و يجعل الكثيرين يطلبون نسخ منه؛ إلا صبره تحت ضربات المطرقة التي لا ترحم، و تحمله قسوة السنديان. وكان الحديد يقول لا يمكن أن أتشكل، و ينتفع بي؛ إلا إذا وضعة تحت المطرقة و رقصة على السنديان ؛ لأٌخرج كل ما علق بي من الشوائب .

الأهل والأحبة في الشام كما هو حال الشعوب العربية المتطلعة للحرية والكرامة، لا بد لهم أن يصبر على ضربات المطرقة، و قسوة السنديان؛ ليكون المنتج نقي وتحفة ونواة يجتمع عندها كل محبي الحرية والعدالة.

أ.عمار ابو زنيد

ابو حذيفة

8/5/2013









الأحد، 23 يونيو 2013

نضوج الثمار وحرارة الصيف



 نضوج الثمار وحرارة الصيف

تمر الثمار في مراحل كثير قبل الوصول إلى مرحلة النضوج , ولكل مرحلة فترتها الزمنية وظروفِها ومخرجاتِها. تستلم من سابقتها  وتهيء  للتي بعدها.

ترتيب هذه الفترات وتدرجها وتزاوجها مع بعضها البعض؛ ينتج ثمار جميلة الشكل لذيذة الطعم طويل العمر كثيرة العدد. تشعر بالراحة اذا نظرت إليها و تشكر الله على ما حوته من طعم ولذة تسعد الروح وتغذي الجسد .



ولعل التعجل والعبث واستباق المراحل، يجعل منها ثمرة مشوهه و يحدث بها عيوب تنقصها شيء من جمالها و طعمها وتحولها عن اصلها؛ فتجدها كبيرة الحجم جميلة المنظر كثيرة الثمر، لكن لا تجد لذة طعمها الأصيل ولا حلوة مذاقها العذب ولونها الرشيق.

هذا النضوج يحتاج إلى تدخل البيئة المحيطة. لتكتمل مراحله ولعل أهمها التي تسبق النضوج بفترة قصير حيث تكون الثمار في أوج حموضتها وهي تحتاج إلى درجة حرارة عالية وشمس ساطعة تلهب أطرافها، وتجفف الماء في عروقها، وتحصر عصارتها في ثمراها .

فلك أن تتخيل كيف يتحول الحصرم إلى سكر فإذا ذقته قبل أيام لا تطيقه وتشمئز منه كل اشمئزاز لمرارة مذاقة وصلابته . أما إن تركته لحراة تموز تلهب أطرافه وتغلي المياه في عروقه " في تموز بتغلي الميه في الكوز" فستجد ثمار سهلت القطع طيبة الطعم لذيذة المذاق جميلة الشكل رائحتها ترحب عن بعد امتار. 

العجب ممن يريدون ثمار ناضجة لذيذة الطعم كبيرة الحجم وافرة الثمر دون تعرضها للحراة العالية ودون أن تغلي بين ألسنة اللهب وقلت الماء وقسوة الهواء وضيق الحال.
وبعد ذلك هل تتحول الثمار إلى مربا دون أن تعصر عصر جيدا بين طبقات الصخور وأقدام الفلاحين ،ثم تصفى تصفية جيدة وتنقى من الشوائب ، ثم توضع على النار الساعات الطويلة لتغلي غلي الحميم.

فاذا اخذ النار حاجتها من هذه الثمار نتج لدينا المربى اللذيذ طويل العمر يقاوم كل أنواع العفن والتحلل .أما اذا أنزلته قبل انتهاء الفترة المحدود للغلي. لا يمكن أن تحصل على مربى طويل العمر لذيذ الطعم.

هذه هي الحياة وهؤلاء هم من يعمرون في الأرض ويصلحونها. لا يمكنهم أن يصلو إلى هذه الغاية إلا بعد العصر والتصفية ثم الغلي الكافي بين السنت اللهب. لينتج بعدها ما تسر به العين و يرتاح له الخاطر و يذهب الحزن.

أ.عمار ابوزنيد
ابو حذيفة
23/6/2013